الأحد، 9 فبراير 2014


تخميس قصيدة أبى مدين الغوث
للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي محمد بن علي الحاتمي الطائي

يَا طالِــــباً مِن لـَــذاذاتِ الدُّنـَــا وَطَــــــــرا *** إذا أردتَّ جميــــع الخـَــــير فــــيكَ يُــرى
المُستشـــارُ أمينٌ فاســـمَــــــع الخـَــبـــــرا *** ( مالِــــذَّةُ العَيـشِ إلا صُحـــــبـة الفُقـَـــــرا
هـُـم السَّـلاطِـــــينُ والسَّــــاداتُ والأمَــرا)
قـَــــومٌ رَضُـوا بيـَـــسِيـــرٍ مِن مَـلابسِـــهم *** والقـُـــوتِ لا تخـطـُــر الدنيـا بهاجِـــسِــهم
صُـدورهُـــم خالِيـاتٍ مِن وسَـاوِســِـــــــهم *** ( فاصْحـِــــبهُمـوا وتـَــأدَّبْ فـي مَجـالِسِهم
وخَـلِّ حَظـَّـكَ مهْــــــــمَـا قـَــدَّمُـوكَ وَرَا )
اسْـــلُك طريقـَـــــــهمـوا إنْ كُنـتَ تابِعـــهُم *** واتـْــــرُك دعَــاويـكَ واحْــذَرْ أن تراجعهم
فِــــيمـا يُريدونـه واقـــــصُـد منافِعـــــــهُـم *** (واستغـْـــنِم الوقـــــتَ واحضُر دائماً معهم
واعـلم بأنَّ الرِّضا يخْـتـَــصُّ من حَــضَرا)
كـُــنْ راضِياً بهِمُـوا تـَـسْــمُ بهـم وتـَصِـــلْ *** إن أثبتـُـــوكَ أقِـمْ أو إنْ مَحَــــــوكَ فـَـــزُل
وإنْ أجاعـوكَ جُــعْ و إنْ أطعَمـُـــوك فكُـلْ *** ( ولازِمِ الصَّمـتَ إلا إن سُـــئِلــتَ فقـُـــــلْ
لا عِلـْــمَ عِنــدي وكــنْ بالجَهـــل مَستتِرا)
ولا تكـُــــــن لعـُــيـوبِ النـــاس مُنتــــقِــدا *** وإن يَكـــــن ظاهِـــرا بيـــن الوجـود بـــدا
وانظـُــرْ بعَيـــنِ كَمـَـالٍ لا تـُعِـبْ أحَــــــدا *** ( ولا تـَرَ العَيــبَ إلا فيــــكَ مُعــــــــتقِـدا
عَـيــباً بـــدا بيـِّـناً لكــــنه اسْـــــــــــــــتترا)
تنـَــلْ بـــذلِكَ مـــا تــَـرجُــوه مــــــن أدبٍ *** والنفــــــــسُ ذَلِّلْ لهـــم ذلاً بـــــلا ريـــب
بـلْ كــــــــلُّ ذلك ذُلٌّ نـَـــابَ عــــــن أدبٍ *** ( وحُـطَّ رَأسـكَ واستغـــفِر بــلا ســــــبب
وقـُـمْ عــلى قـَدَمِ الإنصَــــافِ مُعـــــتذِرا )
إن شئــتَ منــهم بريْــقاً للطـَّـريق تشـُـــــمْ *** عـــــن كــلِّ ما يَكـــرهـُوهُ مِن فِعـــالكَ ذُم
والنفـــسُ منكَ عــلى حُســـنِ الفِعــــالِ أدِم *** ( وإنْ بَــدا منــكَ عَيـــبٌ فاعتــَرفْ وأقِـمْ
وَجْـهَ اعتــذاركَ عمَّــا فيـكَ مِنــكَ جَـــرى)
لهُــم تمـَـلـَّقْ وقـُـلْ داوُوُ بصُـــــــلحِـكُمـُـوا *** بمـَــــرْهَـمِ العَفـْــــوِ مِنــكمْ داء جـُرحِكـُمُوا
أنا المُسـِــيءُ هِبُوا لي مَحـْــضَ نِصْحِكـُمُوا *** ( وقــُلْ عُبيـدكمُـوا أولى بصَـــفحِكـُــــمُـوا
فسَـــامِحُـوا وخـُـذوا بالرِّفـْــقِ يا فقـَــــرا )
لا تخـْـشَ مِنـهم إذا أذنَبـــتَ هِمَّـــــتـَـهُـــــم *** أســـنـَى وأعــظَـمُ أن تـُـردِيـكَ عِشـْـــرَتهُم
ليسـُـــوا جَبَابــِــرة تـُؤذِيــكَ سَطـْـــــــوَتهُم *** ( هُم بالتفـَــضـُّـــلِ أولـَـى وهـُـو شِيمَـتهُــم
فـلا تخـَــفْ دَرَكــاً مِنــهــم ولا ضَـــرَرا )
إذا أردتَّ بهـِـم تسْــلُكْ طَــريـقَ هُــــــــدى *** كـنْ في الذي يَطلـُــــبُـوه مِنــكَ مُجتـــــهِدا
في نـُـــــور يـــومِكَ واحـذَرْ أن تقـُول غداً *** ( وبالتغـَـنِّي عَلى الإخــــوان جُدْ أبـَـــــــدا
حِسـّــاً ومَعنىً وغـُضَّ الطَّرفَ إن عَـثرَا )
أصـــدِقهُــم الحَـق لا تسْتعمِـــل الدنَسَـــــــا *** لأنــــهم أهْـــلُ صِــدقٍ ســادَةٌ رُؤَسَــــــــــا
واسمَــــح لِكـــلِّ امْرئٍ مِنـــهم إليكَ أسَـــــا *** ( ورَاقِـــبِ الشيــخَ فِي أحـْـوالِهِ فـَـعَسـَـــى
يــَـرى عَليـــكَ مِن استِحْسَـــــانِـهِ أثـَــرَا )
وأسْــألهُ دَعـوَتهُ تحْــظَ بــِـــدَعــوَتـِـــــــــهِ *** تــــنَلْ بذَلكَ مَــا ترجُــــوا ببَــــــــــركَتـِــهِ
وحـَــــــسِّنْ الظـَّنَّ واعْـرفْ حَــقَّ حـُـرمَتـِهِ *** ( وقـَـدِّمِ الجِّـدَّ وانهَـضْ عنــدَ خِـــــــدْمَتِـهِ
عَسَـاهُ يَـرضَى وَحَـاذِرْ أن تكـُـنْ ضَجِرا )
واحْـــفظْ وصِيـَّــتهُ زِدْ مِن رِعَـــــــايَتِــــهِ *** ولـَـــبِّهِ إنْ دَعَــــا فــَــــوراً لِسَــــــــاعَتـِـهِ
وغـُــضَّ صَـــــوتـكَ بالنـَّجْــوى لِطاعَـتِـهِ *** ( ففِـي رضــَـاهُ رِضَـــا البـاري وطَاعَتِـــهِ
يَـرضَى علـــيكَ فكـُـنْ مِن تركِـهَا حَذِرَا )
والــزَمْ بمَـــنْ نفسُـــهُ نفْــسٌ مُسَـــايسَـــــة *** في ذا الزَّمـــانِ فإنَّ النــَّـــفسَ آيسـَـــــــــة
منـــهُم وحِـــرفتـُــهُم في النـــَّـاسِ باخِسَــة *** ( واعـْــلم بأنَّ طـَـريقَ القــَـــومِ دَارسَـــــة
وحَـالُ مَنْ يـَـدَّعِـيهَــا اليومَ كــيف تـَرَى )
يَحِـــــقُّ لي إنْ نَــأوْا عَنــــي لأٌلـــفتـِــــهِم *** ألازمُ الحـُــزنَ ممَّــــا بي لِفـُـــــرقَتـِـــــهم
عــلى انقِطـــاعـِي عنــهُم بَــعدَ صُحبتِهــم *** ( مَــتى أراهـُــم وأنــَّـى لِي برُؤيـَــتـِــهـِـم
أو تسمَـــعُ الأذُنُ مِنـِّــي عنــْـــهُم خبَـرَا )
تخـَـــلـُّـفِي مـَـانِعِــي مِن أنْ ألائِمـُـــــــهُــم *** منــهُم أتيـــتُ فلُمــنِي لسْـــتُ لائِمـُـــــهـُـم
يا ربِّ هَـبْ لي صـَـلاحاً كي أنَادِمُهـُــــــم *** ( ومَن لِي وأنـَّـى لِمـِـثلي أن يـُـزاحِمـُــهـم
عــلى مـَـوارِدٍ لمْ آلـَــفْ بــها كـــــَـــدَرا )
جَـــلَّتْ عن الوصْــفِ أن تحـصَى مآثِرهُم *** عـَلى البـَواطِـنِ قــدْ دَلـَّـتْ ظـَـواهِــــــرهُم
بطَــاعـةِ الله في الدنـــيا مفــَــــاخـِــــــرهُم *** ( أحِبـُّــهـم وأُداريــْــــهِم وأوثـِـــــــــــرهـُم
بمُـهجَتـِــي وخـُـــصُـــوصاً مِنهـمْ نفـَــرَا )
قـَـومٌ عـَـلى الخـَلقِ بالطَّاعـاتِ قدْ رُؤِسُــوا *** منــهُم جَلِيـــــــــسهُم الآدابَ يَقــْـــــــــتَبسُ
ومَن تخـَـلَّفَ عــــنهُم حـَـظَّهُ التعِــــــــــسُ *** ( قـَــومٌ كـِــرامُ السَّجـَـايَا حَيـــثمَـا جَلسُــوا
يبــــقـَى المـكانُ عـَـلى آثــَـارِهِم عَطِـــرا )
فهـُــم بهِـــم لا تفـَــارِقــهُم وَزِدْ شَغَفــــــــا *** وإن تخــلَّفتَ عنــهُم فانتحِـــب أسَـــفــَـــــا
عصـَــابةٌ بهـِــم يُكسـَــى الفتــى شـَــــرَفَـا *** ( يـَهـدِي التصَــوفُ مِن أخــْلاقهِم طـَـرَفـا
حُسْـنُ التــآلُفِ منـــهُـم رَاقنـِــــي نظـَـرا )
جَرَرتُ بهِـم ذَيلُ افتِخَاري فِي الهَوى بهِمُوا *** لمـَّـا رضُـوني عُــبَيـداً فِي الهَـوى لَهمـُـوا
وحـَــقـِّهم في هـَـواهم لسـْـــتُ أنسـَـــــهـُـم *** ( هُم أهلُ وُدِّي وأحبـَــابي الذيـــــــنَ هـُـمُ
مِمـَّــنْ يَجـُـــرُّ ذُيـُــول العِـز مُـفتخـِـــرا )
قطَعتُ فِي النظمِ قلبِي فِي الهَوى قطـْـعـــا *** وقـد تـوسـَّـلتُ للمَـــــولى بــهــِم طَمــعـــا
أن يغــفِرَ الله لِي والمســــلميــن معــــــــا *** ( لا زالَ شَمْـــلي بهـِــم في الله مُجـتمِــعـا
وذنـْــبُنا فيــهِ مـَغفــُــــــــورا ومغتفـــرا )
يا كــلَّ مَن ضَمَّه النادِي بمَجـْـلِسـِـــــــنـــا *** أدعُ الإلــه بهِـــم يمحـُـــــــو الذنوبَ لـنـَـا
وادعُ لِمـــنْ خَمـِّـسَ الأصْـلَ الذي حَسُـنـَـا *** ( ثمَّ الصَّـلاةُ عـَــلى المُخـــتارِ سَيــِّـــدِنـَـا
مُحَمـَّـــدِ خـَـيرُ مَن أوفـَى ومَن نــَـــذرَا )

بيان اعتقاد السادة الصوفية حياهم الله وبياهم وأدخلنا الجنة وإياهم في مسائل الأصول ( التوحيد ) كما بينها الإمام القشيرى فى رسالته .

الحمد لله الكريم المنان عظيم الشان قديم الإحسان ذو الجلال والإكرام  والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان وصفوة الرحيم الرحمن وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين وبعد :-
فهذة عقيدة ساداتنا الصوفية الأصفياء 
يقول الإمام القشيرى رضى الله عنه فى رسالته المباركة :
الفصل الأول
بيان اعتقاد هذه الطائفة في مسائل الأصول
إعلموا، رحمكم الله، أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة في التوحيد، صانوا بها عقائدهم عن البدع ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل، وعرفوا ما هو حق القدم. وتحققوا بما هو نعت الموجود عن العدم.
ولذلك قال سيد هذه الطريقة الجنيد، رحمه الله: " التوحيد إفراد للقدم من الحدث " .
وأحكموا أصول العقائد بواضح الدلائل، ولائح الشواهد.
كما قال أبو محمد الجريري، رحمه الله: " أن لم يقف على علم التوحيد بشاهد من شواهده زلت به قدم الغرور في مهواة من التلف " يريد بذلك: أن من ركن إلى التقليد، ولم يتأمل دلائل الوحيد؛ سقط عن سنن النجاة؛ ووقع في أسر الهلاك.
ومن تأمل ألفاظهم، وتصفح كلامهم، وجد في مجموع أقويلهم ومتفرقاتها ما يثق - بتأمله - بأن القوم لم يقصروا في التحقيق عن شأو، ولم يعرجوا في الطلب على تقصير.
ونحن نذكر في هذا الفصل جملا من متفرقات كلامهم فيما يتعلق بمسائل الأصول.
ثم نحرر على الترتيب بعدها ما يشتمل على ما يحتاج إليه في الاعتقاد، على وجه الإيجاز والاختصار، إن شاء الله تعالى.
معرفة الله
سمعت: الشيخ أبا عبد الرحمن محمد بن الحسين السمي، رحمه الله، يقول: سمعت عبد الله بن موسى السلامي يقول: سمعت أبا بكر الشبلي يقول: " الواحد: المعروف قبل الحدود وقبل الحروف " وهذا صريح من الشبلي أن القديم - سبحانه - لا حدَّ لذاته، ولا حروف لكلامه.
سمعت أبا حاتم الصوفي، يقول: سمعت أبا نصر الطوسي يقول: سئل رُويم عن أول فرض افترضه الله عزَّ وجلَّ على خلقه ما هو؟ فقال: المعرفة؛ لقوله جلَّ ذكره: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " . قال ابن عباس: إلا ليعرفون.
وقال الجنيد: إن أول ما يحتاج إليه العبد من الحكمة: معرفة المصنوع صانعه، و المحدث كيف كان إحداثه، فيعرف صفة الخالق من المخلوق، و صفة القديم من المحدث، ويذل لدعوته، ويعترف بوجوب طاعته؛ فإن من لم يعرف مالكه لم يعترف بالملك لمن استوجبه.
أخبرنى محمد بن الحسين، قال: سمعت محمد بن عبد الله الرازى يقول: سمعت أبا الطيب المراغى يقول: للعقل دلالة، و للحكمة إشارة، وللمعرفة شهادة؛ فالعقل يدل. والحكمة تشير. والمعرفة تشهد: أن صفاء العبادات لاينال بصفاء التوحيد.
وسئل الجنيد عن الوحيد، فقال: إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته: أنه الواحد، الذي لم يلد، ولم يولد. بنفي الأضداد، والأنداد، والأشباه، بلا تشبيه. ولا تكييف، ولا تصوير ولا تمثيل " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
أخبرنا محمد بن يحيى الصوفي، قال: أخبرنا عبد الله بن علي التميمي الوصفي، يحكى عن الحسين بن علي الدامغاني، قال: سئل أبو بكر الزاهر اباذي عن المعرفة، فقال: المعرفة: اسم، ومعناه وجود تعظيم في القلب يمنعك عن التعطيل والتشبيه.
صفاته
وقال أبو الحسن البوشنجي، رحمه الله، التوحيد: أن تعلم أنه غير مشبه للذوات، ولا منفيٍّ الصفات.

أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، رحمه الله تعالى، قال: سمعت محمد بن محمد بن غالب. قال: سمعت أبا نصر أحمد بن سعيد الأسفنجاني يقول، قال: الحسين بن منصور: ألزِم الكلَّ الحدث، لأنَّ القدم له. فالذي بالجسم ظهوره فالعرَض يلزمه، والذي بالأداة اجتماعه فقواها تمسكه والذي يؤلِّفه وقت يفرقه وقت، والذي يقيمه غيره فالضرورة تمسه. والذي الوهم يظفر به فالتصوير يرتقي إليه؛ ومن آواه محل أدركه أين، ومن كان له جنس طالبه مكيِّف.
إنه سبحانه لا يظله فوق، ولا يقله تحت، ولا يقابله حد ولا يزاحمه عند، ولا يأخذه خلْف، ولا يحدُّه أمام، ولم يظهره قبل ولم يفنه بعد. ولم يجمعه كلُّ ولم يوجده كان، ولم يفقده ليس.
وصفه: لا صفة له. وفعله: لا علة له؛ وكونه: لا أمد له تنزَّه عن أ؛وال خلقه. ليس له من خلقه مزاج، ولا في فعله علاج بانيهم بقدمه، كما باينوه بحدوثهم.
إن قلت: متى، فقد سبق الوقتّ كونه. وإن قلت: هو، فالهاء والواو خلْقه. وإن قلت: أي، فقد تقدَّم المكانّ وجوده.
فالحروف آياته. ووجوده إثباته ومعرفته توحيده. وتوحيده تمييزه من خلقه. ما تُصوِّر في الأوهام فهو بخلافه، كيف يحلُّ به ما منه بدأه؟ أو يعود إليه ما هو أنشأه؟ لا نماقة العيون، ولا تقابله الظنون. قربه كرامته، وبُعده إهانته، علوُّه من غير توقُّل ومجيئه من غير تنقُّل.
هو: الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، القريب البعيد، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر الطوسيِّ السرَّاجي يحكى عن يوسف بن الحسين، قال: قام رجل بين يدي ذي النون المصري، فقال: أخبرني عن التوحيد: ما هو؟ فقال هو: أن تعلم قدرة الله تعالى في الأشياء بلا مزاج، وصنعه للأشياء بلا علاج، وعلَّة كل شيء صنعه، ولا علَّة لصنعه. وليس في السموات العلا، ولا في الأرضين السفلى مدبِّر غير الله، وكل ما تصوّر في وهمك فالله بخلاف ذلك.
وقال الجنيد: التوحيد: علمك وإقرارك بأن الله فرد في أزليته الثاني معه ولا شيء يفعل فعله.
الإيمان
وقال أبو عبد الله بن خفيف: الإيمان: تصديق القلوب بما أعلمه الحق من الغيوب.
وقال أبو العباس السياري: عطاؤه على نوعين: كرامة، واستدراج من الغيوب.
وقال أبو العباس السياري: عطاؤه على نوعين: كرامة، واستدراج. فما أبقاه عليه فهو كرامة، وما أزاله عنك فهو استدراج، فقل: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى. وأبو العباس السياري كان شيخ وقته.
سمعت الأستاذ أبا علي الدَّقاق، رحمه الله، يقول: غمزّ رَجلٌ رِجل أبي العباس السياري: فقال: تغمز رِجلا ما نَقلتها قط في معصية الله عزَّ وجلَّ!! وقال أبو بكر الواسطي: من قال " أنا مؤمن بالله حقاً " قيل له: الحقيقة تشير إلى إشراف، وإطلاع، وإحاطة، فمن فقده بطل دعواه فيها.
يريد بذلك ما قاله أهل السنَّة: إن المؤمن الحقيقي: من كان محكوما له بالجنة فمن لم يعلم ذلك من سرِّ حكمة الله تعالى، فدعواه: بأنه مؤمن حقاً غير صحيحة.
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا الحسن العنبري يقول: سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول: ينظر إليه، تعالى، المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية.
وقال أبو الحسين النوري: شاهد الحقُّ القلوبَ، فلم ير قلباً أشوق إليه من قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فأكرمه بالمعراج، تعجيلاً للرؤية والمكالمة.
سمعت الإمام أبا بكر محمد بن الحسن بن فورك، رحمه الله تعالى، يقول: سمعت محمد بن المحبوب - خادم أبي عثمان المغربي - قول: قال لي أبو عثمان المغربي يوماً: يا محمد، لو قال لك أحد: أين معبودك؟ إيش تقول؟ قال: قلت: أقول حيث لم يزل.
قال: فإن قال: أين كان في الأزل؟ إبش تقول؟ قال: قلت: أقول حيث هو الآن، يعني: أنه كما كان ولا مكان فهو الآن كما كان.قال: فارتضى مني ذلك، ونزع قميصه وأعطانيه.
سمعت الإمام أبا بكر بن فورك، رحمه الله تعالى، يقول: سمعت أبا عثمان المغربي، يقول: كنت أعتقد شيئاً من حديث الجهة، فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلي أصحابنا بمكة: أنى أسلمت الآن إسلاماً جديداً.

سمعت محمد بن الحسين السلمي، رحمه الله، يقول: سمعت أبا عثمان المغربي يقول، وقد سئل عن الخلق، فقال: قوالب وأشباح تجري عليهم أحكام القدرة.
الأرزاق
وقال الواسطي: لما كان الأرواح والأجساد قامتا بالله، وظهرتا به لا بذواتها، كذلك قامت الخطرات والحركات بالله لابذواتها، إذ الحركات والخطرات فروع الأجساد والأرواح. صرَّح بهذا الكلام أن أكساب العباد مخالوقة لله تعالى، وكما أنه لا خالف للجواهر إلا الله تعالى، فكذلك لا خالق للأَعراض إلا الله تعالى.
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، رحمه الله، يقول: سمعت محمد ابن عبد الله يقول: سمعت أبا جعفر الصيدلاني يقول: سمعت أبا سعيد الخراز يقول: من ظنَّ أنه ببذل الجهد يصل إلى مطلوبه فمتَنٍ، ومن ظن أنه بغير الجهد يصل فمتمنٍ.
وقال الواسطني: المقامات أقسام قُسِّمت، ونعوت أجريت، كيف تُستجلب بحركات، أو تنال بسعايات؟.
الكفر
وسئل الواسطي عن الكفر بالله أو الله، فقال: الكفر والإيمان، والدنيا الآخرة: من الله، وإلى الله، وبالله، ولله: من الله إبتداء وإنشاء، وإلى الله مرجعاً وانتهاء، وبالله بقاء وفناء، ولله ملكا وخلقاً.
وقال الجنيد: سئل بعض العلماء عن التوحيد، فقال: هو اليقين.
فقال السائل: بّين لي ما هو؟ فقال: هو: معرفتك،أن حركات الخلق وسكونهم، فعل الله عزَّ وجلَّ، وحده، لا شريك له فإذا فعلت ذلك فقد وحَّدته.
سمعت محمد بن الحسين رحمه الله، يقول: سمعت عبد الواحد بن علي، يقول: سمعت القساسم بن القاسم يقول: سمعت محمد بن موسى الواسطي يقول: سمعت محمد بن الحسين الجوهري يقول: سمعت ذا النون المصري يقول، وقد جاءه رجل فقال: ادع الله لي فقال.
إن كنت قد أُيدت في علم الغيب بصدق التوحيد، فكم من دعوة مجابة قد سبقت لك، وإلا فإن النداء لا يُنقذ الغرقي.
وقال الواسطي: ادَّعى فرعون الربوبية على الكشف، وادَّعت المعتزلة على الستر، نقول: ماشئت فعلت.
وقال أبو الحسين النوري: التوحيد: كلُّ خاطر يشير إلى الله تعالى، بعد أن لا نزاحمه خواطر التشبيه.
وأخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، رحمه الله تعالى، قال: سمعت عبد الواحد بن بكر، يقول: سمعت هلال بن أحمد يقول: سئل أبو علي الروذباري عن التوحيد، فقال: التوحيد: إستقامة القلب بإثبات مفارقة التعطيل، وإنكار التشبيه، والتوحيد في كلمة واحدة: كل ما صوَّره الأوهام والأفكار فالله سبحانه بخلافه، لقوله تعالى: " ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير " .
وقال أبو القاسم النصراباذي: الجنة باقية بإبقائه. وذكرُه لك، ورحمته، ومحبته لك باق ببقائه. فشتان بين ما هو باق ببقائه، وبين ما هو باقٍ بإبقائه.
رحم الذي قاله الشيخ أبو القاسم النصراباذي، هو غاية في التحقيق؛ فإن أهل الحق قالوا صفات ذات القديم سبحانه: باقيات ببقائه تعالى. فنبه على هذه المسألة وبين أن الباقي باقٍ ببقائه. بخلاف ما قاله مخالفو أهل الحق فخالفوا الحق.
أخبرنا محمد بن الحسين؛ قال: سمعت النصراباذي يقول: أنت متردد بين صفات الفعل وصفات الذات، وكلاهما صفته تعالى،على الحقيقة، فإذا هيمَّك في مقام التفرقة قرّنك بصفات فعله، وإذا بلَّغك إلى مقام الجمع قرنك بصفات ذاته. وأبو القاسم النصراباذي كان شيخ وقته.
سمعت الإمام أبا اسحق الاسفرايني، رحمه الله، يقول: لما قدمت من بغداد كنت أدرس في جامع نيسابور مسألة الروح، وأشرح القول في أنها مخلوقة، وكان أبو القاسم النصراباذي قاعداً متباعداً عنا؛ يصغي إلى كلامي، فاجتاز بنا بعد ذلك يوماً - بأيام قلائل، فقال لمحمد الفراء: أشهد أني أسلمت جديداً على يد هذا الرجل، وأشار إليَّ.
سمعت محمد بن الحسين السلمي، يقول: سمعت أبا حسين الفارسي يقول: سمعت إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت الجنيد يقول: متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير له بمن له شبيه ونظير؟! هيهات، هذا ظن عجيب إلا بما لطف اللطيف من حيث لا درك، ولا وهّم، ولا إحاطة إلا إشارة اليقين وتحقيق الإيمان.
أخبرنا محمد بن الحسين، رحمه الله تعالى، قال: سمعت عبد الواحد ابن بكر يقول: حدثني أحمد بن محمد بن علي البرعي، قال: حدثنا طاهر بن إسماعيل الرازي، قال: قيل ليحيى بن معاذ: أخبرني عن الله عزَّ وجلَّ.
فقال: اله واحد.
فقيل له: كيف هو؟ فقال: ملك قادر.

فقيل: أين هو؟ فقال: هو بالمرصاد.
فقال السائل: لم أسألك عن هذا!! فقال السائل: لم أسألك عن هذا!! فقال: ما كان غير هذا كان صفةَ المخلوق. فأما صفته فما أخبرتك عنه وأخبرنا محمد بن الحسين، قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: كل ما توهمه متوهم بالجهل أنه كذلك، فالعقل يدل على أنه بخلافه.
وسأل ابن شاهين الجنيدَ عن معنى: مع.
فقال مع، على معنيين: مع الأنبياء بالنصرة والكلاءة، قال الله تعالى: " إنني معكما أسمع وأرى " .
ومع العامة بالعلم والإحاطة، قال تعالى: " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم " .
فقال ابن شاهين: مثلك يصلح أن يكون دالاَّ للأمة على الله.
العرش
وسئل ذو النون المصري عن قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " .
فقال: أثبتّ ذاته ونفى مكانه، فهو موجود بذاته، والأشياء موجودة بحكمه، كما شاء سبحانه.
وسئل الشبلي عن قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " . فقال: الرحمن لم يزل، والعرش محدث والعرش بالرحمن استوي. وسئل جعفر بن نصير عن قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوي " فقال: استوى علمه بكل شيء فليس شيء اقرب إليه من شيء وقال جعفر الصادق: من زعم أن الله في شيء، أو من شيء، أو على شيء، فقد أشرك؛ إذ لو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان في شيء لكان محصوراً، ولو كان من شيء لكان محدثاً.
وقال جعفر الصادق أيضاً في قوله:ثم دنا فتدلّى: من توهم أنه بنفسه دنا جعل ثّمَّ مسافة، إنما التدني أنه كلما قرب منه بَعَّده عن أنواع المعارف إذ لا دنوَّ ولا بُعد.
ورأيت بخط الأستاذ أبي عليٍّ أنه قيل لصوفيِّ: أين الله؟ فقال: أسحقك الله!! تطلب مع العين أين؟! أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا العباس ابن الخشاب البغداي يقول: سمعت أبا القاسم بن موسى يقول: سمعت محمد بن أحمد يقول: سمعت الأنصاري يقول: سمعت الخراز يقول: حقيقة القرب: فقد حِسِّ الأشياء من القلب وهدوء الضمير إلى الله تعالى.
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت محمد بن علي الحافظ يقول: سمعت أبا معاذ القزويني يقول: سمعت أبا عليٍّ الدلال يقول: سمعت أبا عبد الله بن قهرمان يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: إنتهيت إلى رجل، وقد صرعه الشيطان، فجعلت أؤذن في أذنه، فناداني الشيطان من جوفه: عني أقتله؛ فإنه يقول القرآن مخلوق.
وقال ابن عطاء: إن الله تعالى لما خلق الأحرف جعلها سراً له، فلما خلق آدم عليه السلام بث فيه ذلك السر، ولم يبث ذلك السر في أحد من ملائكته، فجرت الأحرف على لسان آدم عليه السلام بفنون الجريان وفنون اللغات، فجعلها الله صوراً لها صرح ابن عطاء القول بأن الحروف مخلوقة.
وقال سهل بن عبد الله: إن الحروف لسان فعل، لا لسان ذاته؛ لأنها فعل في مفعول.
قال: وهذا أيضاً تصريح بأن الحروف مخلوقة.
وقال الجنيد في جوابات مسائل الشاميين: التوكل عمل القلب، والوحيد قول القلب، قال: هذا قول أهل الأصول، إن الكلام: هو المعنى الذي قام بالقلب من معنى الأمر والنهي، والخبر، والاستخبار.
قوال الجنيد في جوابات مسائل الشاميين أيضاً: تفرد الحق بعلم الغيوب، فعلم ما كان، وما يكون، ومالا يكون: أن لو كان كيف كان يكون.
وقال الحسين بن منصور: من عرف الحقيقة في التوحيد سقط عنه: لِمَ وكيف.
أخبرنا محمد بن الحسين، قال: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: قال الجنيد: أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان الوحيد.
وقال الواسطي: ما احدث الله شيئاً أكرم من الروح. صرَّح بأن الروح مخلوقة.
قال الأستاذ الإمام زين الإسلام أبو القاسم، رحمه الله: دلَّت هذه الحكايات على أن عقائد مشايخ الصوفية توافق أقاويل أهل الحق في مسائل الأصول.
وقد اقتصرنا على هذا المقدار خشية خروجنا عما أثرناه من الإيجاز والاختصار.
الحق سبحانه
فصل قال الأستاذ زين الإسلام أبو القاسم، أدام الله عزَّه: وهذه فصول تشتمل على بيان عقائدهم في مسائل التوحيد ذكرناها على وجه الترتيب.
قال شيوخ هذه الطريقة، على ما يدلُ عليه متفرقات كلامهم، ومجموعاتهم، ومصنفاتهم في التوحيد:

مقطع إنشادي نادر بصوت الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي



if ($view == 5 AND paid()) { OpenTable(); echo "

$title
\n" ."$content";

فيك كل ما أرى حسن

اللهم صلي على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
أشرقت أنوار محبة المصطفى في قلوب المحبيبن
اللهم إجعلنا من أحباب الله وأحباب رسوله



أرسل wahbaanwer فيديو إليك: "مفهوم الأمة الإسلامية"

أخبر صديقك: