نتيجة الفكر في الجهر بالذكر
في جواز الجهر بالذكر والاجتماع عليهللإمام الحافظ
جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي
المتوفى سنة 911 هـ

مسألة: الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى. سألت أكرمك الله عما اعتاده السادة الصوفية من عقد حلق الذكر والجهر به في المساجد ورفع الصوت بالتهليل .. وهل ذلك مكروه أو لا؟..
الجواب: إنه لا كراهة في شيء من ذلك وقد وردت أحاديث تقتضي استحباب الجهر بالذكر وأحاديث تقتضي استحباب الأسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص كما جمع النووي بمثل ذلك بين الأحاديث الواردة باستحباب الجهر بقراءة القرآن والواردة باستحباب الأسرار بها وها أنا أبين ذلك فصلا فصلا.
ذكر الأحاديث الدالة على استحباب الجهر بالذكر تصريحا أو التزاما
(الحديث الأول)
أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال

(الحديث الثاني)
أخرج البزار والحاكم في المستدرك وصححه عن جابر قال خرج علينا النبي

(الحديث الثالث)
أخرج مسلم والحاكم واللفظ له عن أبي هريرة قال: قال

(الحديث الرابع)
أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما قال- قال رسول الله

(الحديث الخامس)
أخرج مسلم والترمذي عن معاوية أن النبي
خرج على حلقة من أصحابه فقال: (ما يجلسكم؟) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده. فقال: (إنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة).

(الحديث السادس)
أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري قال: قال: رسول الله
: (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون).

(الحديث السابع)
أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الجوزاء رضي الله عنه قال: قال رسول الله
: (أكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقين أنكم مراؤون) - مرسل، ووجه الدلالة من هذا والذي قبله أن ذلك إنما يقال عند الجهر دون الإسرار.

(الحديث الثامن)
أخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله
: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا) قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: (حلق الذكر).

(الحديث التاسع)
أخرج بقي بن مخلد عن عبد الله بن عمرو أن النبي
مر بمجلسين أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يعلمون العلم فقال: (كلا المجلسين خير وأحدهما أفضل من الآخر).

(الحديث العاشر)
أخرج البيهقي عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله
: (ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات).

(الحديث الحادي عشر)
أخرج البيهقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي
قال: (يقول الرب تعالى يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم). فقيل: ومن أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: (مجالس الذكر في المساجد).

(الحديث الثاني عشر)
أخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: (إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان هل مر بك اليوم لله ذاكر فان قال نعم استبشر) ثم قرأ عبد الله: (لقد جئتم شيئا إذا تكاد السماوات يتفطرن منه - الآية) وقال: (أيسمعون الزور ولا يسمعون الخير؟).
(الحديث الثالث عشر)
أخرج ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس في قوله (فما بكت عليهم السماء والأرض) قال: (إن المؤمن إذا مات بكى عليه من الأرض الموضع الذي كان يصلي فيه ويذكر الله فيه).
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عبيد قال: (إن المؤمن إذا مات نادت بقاع الأرض عبد الله المؤمن مات فتبكي عليه الأرض والسماء فيقول الرحمن ما يبكيكما على عبدي فيقولون ربنا لم يمش في ناحية منا قط إلا وهو يذكرك) ، وجه الدلالة من ذلك أن سماع الجبال والأرض للذكر لا يكون إلا عن الجهر به.
(الحديث الرابع عشر)
أخرج البزار والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله

(الحديث الخامس عشر)
أخرج البيهقي عن زيد بن أسلم قال: قال ابن الأدرع: انطلقت مع النبي

وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر أن رسول الله

وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل: لو أن هذا خفض من صوته فقال رسول الله

(الحديث السادس عشر)
أخرج الحاكم عن شداد بن أوس قال إنا لعند النبي


(الحديث السابع عشر)
أخرج البزار عن أنس عن النبي

(الحديث الثامن عشر)
أخرج الطبراني وابن جرير عن عبد الرحمن ابن سهل بن حنيف قال نزلت على رسول الله

(الحديث التاسع عشر)
أخرج الإمام أحمد في الزهد عن ثابت قال: كان سلمان في عصابة يذكرون الله فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفوا فقال: (ما كنتم تقولون؟) قلنا: نذكر الله قال: (إني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها) ثم قال: (الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم).
(الحديث العشرون)
أخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي رزين العقيلي أن رسول الله

(الحديث الحادي والعشرون)
أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي والأصبهاني عن أنس قال: قال رسول الله

(الحديث الثاني والعشرون)
أخرج الشيخان عن ابن عباس قال: (إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي

(الحديث الثالث والعشرون)
أخرج الحاكم عن عمر بن الخطاب عن رسول الله

(الحديث الرابع والعشرون)
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن السائب أن رسول الله

(الحديث الخامس والعشرون)
أخرج المروزي في كتاب العيدين عن مجاهد أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة كانا يأتيان السوق أيام العشر فيكبران لا يأتيان السوق إلا لذلك.
وأخرج أيضا عن عبيد بن عمير قال كان عمر يكبر في قبته فيكبر أهل المسجد فيكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا.
وأخرج أيضا عن ميمون بن مهران قال أدركت الناس وأنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهها بالأمواج من كثرتها.
(فصل)
إذا تأملت ما أوردنا من الأحاديث عرفت من مجموعها أنه لا كراهة البتة في الجهر بالذكر بل فيه ما يدل على استحبابه إما صريحا أو التزاما كما أشرنا إليه ، وأما معارضته بحديث خير الذكر الخفي فهو نظير معارضة أحاديث الجهر بالقرآن بحديث المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة، وقد جمع النووي بينهما بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى به مصلون أو نيام ، والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط، وقال بعضهم: بستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار انتهى ، وكذلك نقول في الذكر على هذا التفصيل وبه يحصل الجمع بين الأحاديث.
فإن قلت : قال الله تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول)
قلت: الجواب عن هذه الآية من ثلاثة أوجه:
الأول: إنها مكية كآية الإسراء (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) وقد نزلت حين كان النبي

الثاني: إن جماعة من المفسرين منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم شيخ مالك وابن جرير حملوا الآية على الذاكر حال قراءة القرآن وانه أمر له بالذكر على هذه الصفة تعظيما للقرآن أن ترفع عنده الأصوات ويقويه اتصالها بقوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا).
قلت: وكأنه لما أمر بالإنصات خشي من ذلك الإخلاد إلى البطالة فنبه على أنه وإن كان مأمورا بالسكوت باللسان إلا أن تكليف الذكر بالقلب باق حتى لا يغفل عن ذكر الله ولذا ختم الآية بقوله (ولا تكن من الغافلين).
الثالث: ما ذكره الصوفية أن الأمر في الآية خاص بالنبي


فإن قلت: فقد قال تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) وقد فُسّر الاعتداء بالجهر في الدعاء
قلت: الجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن الراجح في تفسيره أنه تجاوز المأمور به أو اختراع دعوة لا أصل لها في الشرع.
ويؤيده ما أخرجه ابن ماجة والحاكم في مستدركه وصححه عن أبي نعامة رضي الله عنه أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة. فقال: إني سمعت رسول الله

الثاني: على تقدير التسليم فالآية في الدعاء لا في الذكر والدعاء بخصوصه الأفضل فيه الإسرار لأنه أقرب إلى الإجابة ولذا قال تعالى (إذ نادى ربه نداء خفيا) ومن ثم استحب الإسرار بالاستعاذة في الصلاة اتفاقا لأنها دعاء.
فإن قلت: فقد نقل عن ابن مسعود أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: (ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد)
قلت: هذا الأثر عن ابن مسعود يحتاج إلى بيان سنده ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض.
ثم رأيت ما يقتضي إنكار ذلك عن ابن مسعود قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب الزهد ثنا حسين ابن محمد ثنا المسعودي عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال: (هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالست عبد الله مجلسا قط إلا ذكر الله فيه).
وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت البنابي قال: (إن أهل ذكر الله ليجلسون إلى ذكر الله والله وأن عليهم من الآثام أمثال الجبال وأنهم ليقومون من ذكر الله تعالى ما عليهم منها شيء).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق