تخميس قصيدة أبى مدين الغوث
للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي محمد بن علي الحاتمي الطائي
يَا طالِــباً مِن لـَــذاذاتِ الدُّنـَــا وَطَــــــــرا
إذا أردتَّ جميــــع الخـَــــير فــــيكَ يُــرى
المُستشـارُ أمينٌ فاســـمَــــــع الخـَــبـــــرا
( مالِــــذَّةُ العَيـشِ إلا صُحـــــبـة الفُقـَـــــرا
هـُـم السَّـلاطِـــــينُ والسَّــــاداتُ والأمَــرا)
قـَــومٌ رَضُـوا بيـَـــسِيـــرٍ مِن مَـلابسِـــهم
والقـُـــوتِ لا تخـطـُــر الدنيـا بهاجِـــسِــهم
صُـدورهُـــم خالِيـاتٍ مِن وسَـاوِســِـــــهم
( فاصْحـِــــبهُمـوا وتـَــأدَّبْ فـي مَجـالِسِهم
وخَـلِّ حَظـَّـكَ مهْــــــــمَـا قـَــدَّمُـوكَ وَرَا )
اسْـــلُك طريقـَـــــهمـوا إنْ كُنـتَ تابِعـــهُم
واتـْــــرُك دعَــاويـكَ واحْــذَرْ أن تراجعهم
فِــــيمـا يُريدونـه واقـــــصُـد منافِعـــــهُـم
(واستغـْـــنِم الوقـــــتَ واحضُر دائماً معهم
واعـلم بأنَّ الرِّضا يخْـتـَــصُّ من حَــضَرا)
كـُـنْ راضِياً بهِمُـوا تـَـسْــمُ بهـم وتـَصِــلْ
إن أثبتـُـــوكَ أقِـمْ أو إنْ مَحَــــــوكَ فـَـــزُل
وإنْ أجاعـوكَ جُــعْ و إنْ أطعَمـُـوك فكُـلْ
( ولازِمِ الصَّمـتَ إلا إن سُـــئِلــتَ فقـُـــــلْ
لا عِلـْــمَ عِنــدي وكــنْ بالجَهـــل مَستتِرا)
ولا تكـُــــــن لعـُــيـوبِ النـــاس مُنتــقِــدا
وإن يَكـــــن ظاهِـــرا بيـــن الوجـود بـــدا
وانظـُــرْ بعَيـــنِ كَمـَـالٍ لا تـُعِـبْ أحَــــدا
( ولا تـَرَ العَيــبَ إلا فيــــكَ مُعــــــــتقِـدا
عَـيــباً بـــدا بيـِّـناً لكــــنه اسْـــــــــــــــتترا)
تنـَــلْ بـــذلِكَ مـــا تــَـرجُــوه مــــن أدبٍ
والنفــــــــسُ ذَلِّلْ لهـــم ذلاً بـــــلا ريـــب
بـلْ كــــــــلُّ ذلك ذُلٌّ نـَـــابَ عــــن أدبٍ
( وحُـطَّ رَأسـكَ واستغـــفِر بــلا ســــــبب
وقـُـمْ عــلى قـَدَمِ الإنصَــــافِ مُعـــــتذِرا )
إن شئــتَ منــهم بريْــقاً للطـَّـريق تشـُـــمْ
عـــــن كــلِّ ما يَكـــرهـُوهُ مِن فِعـــالكَ ذُم
والنفـــسُ منكَ عــلى حُســـنِ الفِعــالِ أدِم
( وإنْ بَــدا منــكَ عَيـــبٌ فاعتــَرفْ وأقِـمْ
وَجْـهَ اعتــذاركَ عمَّــا فيـكَ مِنــكَ جَـــرى)
لهُــم تمـَـلـَّقْ وقـُـلْ داوُوُ بصُـــــلحِـكُمـُـوا
بمـَــــرْهَـمِ العَفـْــــوِ مِنــكمْ داء جـُرحِكـُمُوا
أنا المُسـِــيءُ هِبُوا لي مَحـْــضَ نِصْحِكـُمُوا
( وقــُلْ عُبيـدكمُـوا أولى بصَـــفحِكـُــــمُـوا
فسَـــامِحُـوا وخـُـذوا بالرِّفـْــقِ يا فقـَــــرا )
لا تخـْـشَ مِنـهم إذا أذنَبـــتَ هِمَّــــتـَـهُــــم
أســـنـَى وأعــظَـمُ أن تـُـردِيـكَ عِشـْـــرَتهُم
ليسـُـــوا جَبَابــِــرة تـُؤذِيــكَ سَطـْـــــوَتهُم
( هُم بالتفـَــضـُّـــلِ أولـَـى وهـُـو شِيمَـتهُــم
فـلا تخـَــفْ دَرَكــاً مِنــهــم ولا ضَـــرَرا )
إذا أردتَّ بهـِـم تسْــلُكْ طَــريـقَ هُــــــدى
كـنْ في الذي يَطلـُــــبُـوه مِنــكَ مُجتـــــهِدا
في نـُـــور يـــومِكَ واحـذَرْ أن تقـُول غداً
( وبالتغـَـنِّي عَلى الإخــــوان جُدْ أبـَـــــــدا
حِسـّــاً ومَعنىً وغـُضَّ الطَّرفَ إن عَـثرَا )
أصـــدِقهُــم الحَـق لا تسْتعمِـــل الدنَسَـــــا
لأنــــهم أهْـــلُ صِــدقٍ ســادَةٌ رُؤَسَــــــــــا
واسمَــــح لِكـــلِّ امْرئٍ مِنـــهم إليكَ أسَـــا
( ورَاقِـــبِ الشيــخَ فِي أحـْـوالِهِ فـَـعَسـَـــى
يــَـرى عَليـــكَ مِن استِحْسَـــــانِـهِ أثـَــرَا )
وأسْــألهُ دَعـوَتهُ تحْــظَ بــِـــدَعــوَتـِـــــــهِ
تــــنَلْ بذَلكَ مَــا ترجُــــوا ببَــــــــــركَتـِــهِ
وحـَــــسِّنْ الظـَّنَّ واعْـرفْ حَــقَّ حـُـرمَتـِهِ
( وقـَـدِّمِ الجِّـدَّ وانهَـضْ عنــدَ خِـــــــدْمَتِـهِ
عَسَـاهُ يَـرضَى وَحَـاذِرْ أن تكـُـنْ ضَجِرا )
واحْـــفظْ وصِيـَّــتهُ زِدْ مِن رِعَـــــايَتِــــهِ
ولـَـــبِّهِ إنْ دَعَــــا فــَــــوراً لِسَــــــــاعَتـِـهِ
وغـُــضَّ صَـــوتـكَ بالنـَّجْــوى لِطاعَـتِـهِ
( ففِـي رضــَـاهُ رِضَـــا البـاري وطَاعَتِـــهِ
يَـرضَى علـــيكَ فكـُـنْ مِن تركِـهَا حَذِرَا )
والــزَمْ بمَـــنْ نفسُـــهُ نفْــسٌ مُسَـــايسَـــة
في ذا الزَّمـــانِ فإنَّ النــَّـــفسَ آيسـَـــــــــة
منـــهُم وحِـــرفتـُــهُم في النــَّـاسِ باخِسَـة
( واعـْــلم بأنَّ طـَـريقَ القــَـــومِ دَارسَـــــة
وحَـالُ مَنْ يـَـدَّعِـيهَــا اليومَ كــيف تـَرَى )
يَحِـــــقُّ لي إنْ نَــأوْا عَنــي لأٌلـــفتـِــــهِم
.ألازمُ الحـُــزنَ ممَّــــا بي لِفـُـــــرقَتـِـــــهم
عــلى انقِطـاعـِي عنــهُم بَــعدَ صُحبتِهــم
( مَــتى أراهـُــم وأنــَّـى لِي برُؤيـَــتـِــهـِـم
أو تسمَـــعُ الأذُنُ مِنـِّــي عنــْـــهُم خبَـرَا )
تخـَـــلـُّـفِي مـَـانِعِــي مِن أنْ ألائِمـُـــــهُــم
منــهُم أتيـــتُ فلُمــنِي لسْـــتُ لائِمـُـــــهـُـم
يا ربِّ هَـبْ لي صـَـلاحاً كي أنَادِمُهـُــــم
( ومَن لِي وأنـَّـى لِمـِـثلي أن يـُـزاحِمـُــهـم
عــلى مـَـوارِدٍ لمْ آلـَــفْ بــها كـــــَـــدَرا )
جَــلَّتْ عن الوصْـفِ أن تحـصَى مآثِرهُم
عـَلى البـَواطِـنِ قــدْ دَلـَّـتْ ظـَـواهِــــــرهُم
بطَــاعـةِ الله في الدنـــيا مفــَــــاخـِــــرهُم
( أحِبـُّــهـم وأُداريــْــــهِم وأوثـِـــــــــــرهـُم
بمُـهجَتـِــي وخـُـــصُـــوصاً مِنهـمْ نفـَــرَا )
قـَـومٌ عـَـلى الخـَلقِ بالطَّاعاتِ قدْ رُؤِسُـوا
منــهُم جَلِيـــــــــسهُم الآدابَ يَقــْـــــــــتَبسُ
ومَن تخـَـلَّفَ عــــنهُم حـَـظَّهُ التعِــــــــسُ
( قـَــومٌ كـِــرامُ السَّجـَـايَا حَيـــثمَـا جَلسُــوا
يبــــقـَى المـكانُ عـَـلى آثــَـارِهِم عَطِـــرا )
فهـُــم بهِـــم لا تفـَــارِقــهُم وَزِدْ شَغَفــــــا
وإن تخــلَّفتَ عنــهُم فانتحِـــب أسَـــفــَـــــا
عصـَــابةٌ بهـِــم يُكسـَــى الفتــى شـَــرَفَـا
( يـَهـدِي التصَــوفُ مِن أخــْلاقهِم طـَـرَفـا
حُسْـنُ التــآلُفِ منـــهُـم رَاقنـِــــي نظـَـرا )
جَرَرتُ بهِم ذَيلُ افتِخَاري فِي الهَوى بهِمُوا
.لمـَّـا رضُـوني عُــبَيـداً فِي الهَـوى لَهمـُـوا
وحـَقـِّهم في هـَـواهم لسـْـــتُ أنسـَـــــهـُـم
( هُم أهلُ وُدِّي وأحبـَــابي الذيـــــــنَ هـُـمُ
مِمـَّــنْ يَجـُـــرُّ ذُيـُــول العِـز مُـفتخـِـــرا )
قطَعتُ فِي النظمِ قلبِي فِي الهَوى قطـْـعـا
وقـد تـوسـَّـلتُ للمَـــــولى بــهــِم طَمــعـــا
أن يغــفِرَ الله لِي والمســــلميــن معــــــا
( لا زالَ شَمْـــلي بهـِــم في الله مُجـتمِــعـا
وذنـْــبُنا فيــهِ مـَغفــُــــــــورا ومغتفـــرا )
يا كــلَّ مَن ضَمَّه النادِي بمَجـْـلِسـِـــــــنـا
أدعُ الإلــه بهِـــم يمحـُـــــــو الذنوبَ لـنـَـا
وادعُ لِمــنْ خَمـِّـسَ الأصْـلَ الذي حَسُـنـَا
( ثمَّ الصَّـلاةُ عـَــلى المُخـــتارِ سَيــِّـــدِنـَـا
مُحَمـَّـــدِ خـَـيرُ مَن أوفـَى ومَن نــَـــذرَا )
بحمد الله تمت وبالخير عمت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق